أفكر في المشرط، في الخيوط، في الإبر، فأحن إلى طقوس العمل... فتدعوني طقوسه إلى حجرة بيضاء تختلط فيها أنفاسي برائحة الكحول والمورفين، وتضج فيها أسماعي بصرير الآلات المتأهبة للانقضاض، وأعيني فيها تشفق على الجسد المخدر.
أسوي
الجسد فوق المحفة، وآمر المشرط والحقن وباقي الآلات ببدء العمل فتتكالب شفرته وشوكاتها وأسنتها على الوجه المتغضن بالوخز والتشريح والشفط والرتق.
أجمل
الوجه فيترهل البطن. أجمل البطن فتترهل الأرداف. أجمل الأرداف فتترهل السيقان،
أجمل السيقان فيتغضن الوجه... صراع دؤوب بين المشرط والزمن في غرفة بيضاء شهدت عبث
جراح بجسد امرأة كلما فتحت
عينيها أغلقهما البنج من جديد، وكلما أغلقهما البنج تكالبت عليه شوكات الحقن وشفرة
المشرط والإبر بالوخز والتشريح والرتق...
أسوي
الجسد فوق المحفة، وآمر المشرط والحقن وباقي الآلات ببدء العمل فتتكالب شفرته وشوكاتها
وأسنتها على كامل الجسد بالوخز والتشريح والشفط والرتق...
أجلس
قبالتها على كرسي أحاول موازنته على قائمتيه الخلفيتين وأنا أنظر إلى الضمادات
التي تلتف كأفاع حول كامل الجسد الذي يبدو مثل مومياء فرعونية. أسمع نباح كلب فأرى
في ذلك نذير شؤم، وأفكر أني إذا لم أسمع النباح مرة أخرى فإن المبنجة لن تفتح
عينيها، فأظل أترقب سماعه من جديد، يخيم صمت رهيب في فضاء الغرفة ثم ينبعث فجأة
نباح غريب، نباح كأنما هو آت من زمن بعيد.. نباح توسمت فيه خيرا، نباح ظللت أصيخ
السمع إليه وأنا أنتظر أن تفتح عينيها ...
ولم
تفتح عينيها.. أناديها فلا تسمع. أخضخضها فلا تتحرك. أمرر يدي فوق الجسد متحسسا،
متلمسا، مرتعشا وإذ تسري برودة الجسد في يدي أدرك أن لقاءنا ذاك كان الأخير.
أقف
مرتعشا أتأمل الجسد المسجى.. الجسد الذي رأيت في سكونه جرما وأسفا وندما، الجسد
الذي رأيت في رحيله رحيلي، الجسد الذي جعلني أحس بالشفقة على نفسي من الوحدة والأسر،
لكن بعد فوات الأوان.