أفتح
باب الحوش، أبعث نحو الأسفل بنظرة شفقة إلى نملة تنوء بحمل حبة قمح، كما أنوء أنا
بعبء تكاليف الحياة، وإلى الأعلى أنظر، منبها معي بصر ابني، نحو عش السنونو الطيني،
نحو أفراخه المتأهبة للطيران. أتحسس رقبة الثور الأرقط وازنا سمنته، ثم ألتفت جهة
مكان الكلب فلا أرى غير السلسلة، فأعلم أن ابني الآخر وكلبه الأسود يغيران داخل
البيت على الأثاث بالكسر والتهشيم. أسرع نحو الداخل لأنهي غزوتهما بصفعة يتلقاها
الطفل على قفاه، فيفر ومعه الكلب. وكأن هذه الصفعة لا تكفيني فأنحني لأحمل
العصا... فأحمله باليد المتغضنة المرتعشة، أحمل عكازا معقوفا، يجسد عمره القصير
عمري الطويل، وكأن هذا العمر لا يمثله إلا عكاز معقوف لم يقو على مزيد من
الامتداد فانقلب على نفسه متراجعا معوجا. أحمله باليد المرتعشة وأمضي مخلفا على
الأرض ببلْغَتي آثارا تشي بتعثر الجسد الواهن.
أفتح
باب الحوش. يحتك خشبه المهترئ بالأرض فيحدث صريرا أعلم أنه قوي لكن الأذن الكليلة
لا تسمعه... أرنو طويلا إلى مكان النمل، أعلم أنه هناك، لكن العين العمشاء لا
تبصره... طويلا أرنو إلى عش طيني بالأعلى، لكن بالكاد أراه... طويلا أرنو إلى
الزريبة الخالية... طويلا أرنو إلى الجدران الندية... طويلا أرنو إلى السلسلة التي
تحن إلى أعناق الكلاب... طويلا أرنو إلى عش عنكبوت في منتصف الخابية يمنعني من
رؤية العمق، كما يمنعني الآن عن رؤية نفسي، في لحظات أخرى، في أزمنة أخرى، نسيج من
الأحداث الكثيفة التي حاكها حولي بلا رحمة عنكبوت الزمن.