مرايا الأحلام

 ... وفتح عينيه وعندئذ، أبصر عالما لم يره من قبل، وأحس برطوبة في وجهه، رطوبة تنبعث منها رائحة تزكم الأنف... والأعين، التي انفتحت أجفانها على حديقة من الرخام والورود والشجر ظلت مشدوهة مدهوشة. استغرب الأمر؛ فلا شيء مما يراه الآن قد أطبق عليه أجفانه قبل أن ينام، ولا غفا ولا نام، ربما، أصلا؛ فلا لحظات ما قبل النوم، ولا حياته كلها، تحتمل وجودا سابقا يتذكره. فقط، يتذكر مجموعة من الأحلام. وكأنما الآن قد ولد. لا، لا، لم يولد الآن، ففي ذاكرته لغة وعالم وأفكار. فقط، كأنما ظل نائما طيلة ثلاثين سنة. ثلاثون سنة من عمر افترضه الآن لنفسه مثلما افترض لها ماضيا لا يحتمل الشك ولا يقبل التغيير. ومثلما افترض ذلك، فقد افترض أنه لا بد قد حل قبل شهور قليلة ضيفا على هذه المدينة، كي يكد مثل أبناء قريته ويسترجع أرضه التي سلبها منه ذات يوم جاره الذي اتهمه بدين لم يسدده فمنحه الأرض مقابل الدين. لا بد أن يعود إلى أرضه، إلى بقراته التي هي الآن ملك لجاره. ولا بد... ولا بد... ولا بد... ومثلما احتمى بهذه اللابد التي ستنقذه، كما ظن، من الضياع، احتمى من وجع رأسه بسبسيه الذي أخرجه من جوربه، الذي ملأ شقفه بالكيف، الذي امتطى سحائب دخانه وسافر على متنها إلى عوالم أخرى، عوالم لم ترها عين من قبل، ولا خطرت على عقل بشر غير مخدر.
أجفانه، الآن، تتراخى، ورغبة في النوم تجتاحه، وشجيرة دفلى مزهرة تدعوه للاستلقاء تحتها. يقصدها.. يدس حافظة النقود في جوربه، ثم ينبطح تحت ظل الشجيرة ويغمض عينيه منتظرا قدوم النوم.
وجاء النوم سريعا، فانسابت الأحلام الجميلة في مخيلته كألحان 
...عذبة تنبعث من ناي حزين



هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم،
    هناك أخطاء في معالجة بعض الكلامات في الرواية، المرجو الانتباه إليها.

    ردحذف