ذهاب وإياب، المشهد الرابع

أعادتني وثائق أملاكي المرمية عند رأس ابني إلى صوابي. يتغلب سحرها على سحر الكتب. أرمي هذه الكتب، وأرتمي لأحضن أوراقي. بخرت وثائق الأملاك حزني على ابني ودوار السفر والتعب.
جحظت عيناي كمن يخشى أن يعود إلى النوم بعد حلم مخيف، أحسست بيقظة رهيبة، بصفاء شامل يزيل خوذة هلامية عن رأسي.
أحسست يقظة، يقظة في يقظة، ولا شيء آخر غير اليقظة، وكأنما أصابت يقظتي الرهيبة المتوفى بعدوى غريبة جعلت صفرة وجهه الشاحب تتبخر، وحمرته تعود، وقلبه ينبض، ودماءه تجري من جديد، وعينيه تنفتحان.
مذهولا، يتراجع إلى الخلف. يدوس بساطا تركيا ذا مربعات متباينة الألوان. ينزل درجات رخامية ثلاثا. يزيح عينيه عن الكلب، ويزيح الكلب عينيه عنه.
يسلم كتبا ووثائق أملاك إلى وكيل أعمال.
تبتلع الباكيات المأجورات نواحهن. وحيث تنتهي صفوف الرجال، تبدأ صفوف الأشجار. بين صفين من نبات الصبار، يمر متراجعا.
ينظر إلى الساعة الرابعة زوالا.
من أعلى الهضبة، تتراجع، إلى الخلف، حافلة لم تقو على مزيد من الصعود
تتوقف عند مدخل درب يؤدي مباشرة إلى ضيعة. بذهول يصعد الحافلة موليا ظهره تجاه الداخل. تنزلق الحافلة متراجعة نحو الخلف، نحو أسفل المنحدر.
ورغم سن السابعة والثلاثين، أصابته منعرجات الطريق، وتقدم الأشجار السريع، وقرص الشمس المتراجع مع الحافلة، وأحاسيسه المخدرة ببداية دوار...
الحافلة مليئة بالمسافرين. فقط، هو الوحيد الذي يحتل مقعدين، يتبادل الجلوس عليهما كلما ضجر من أحدهما.
ينظر إلى ساعته، الثانية عشرة، الرقاص مستمر في الدوران من اليمين إلى اليسار...
أنزلته الحافلة عند باب مقهى، ثم انعطفت متراجعة باتجاه باب المحطة.
يتراجع باتجاه عمق المقهى.
جمرة سيجارته تبتعد عن مصفاتها، ثم تنطفئ عند رأس السيجارة. يدسها في العلبة ثم يعيدها إلى جيبه.
تتقافز قطع السكر من فناجين القهوة وتطير باتجاه الصحون الصغيرة، وهناك تحط.
يتراجع نحو كرسيه المعتاد ويجلس، يجلس حيث أجلس أنا الآن، ويمحو بقلمه من اليسار إلى اليمين، ومن الأسفل إلى الأعلى ما كتبته، أنا، بلغة الضاد، من اليمين إلى اليسار ومن الأعلى إلى الأسفل، من حروف وكلمات، من جمل وفقرات، منها تشكل ذلك الموت، تلك الحياة الجديدة، منها نسجت هذه القصة.