ذهاب وإياب، المشهد الثالث

في طريقي إلى منزل الضيعة حيث مددوا جثمان والدي، اعترضني كلبه المفضل. في عينيه رأيت حزنا لامتناهيا، في عيني رأى بؤبؤين من رخام.
في طريقي إلى منزل الضيعة حيث مددوا جثمان ابني، اعترضني كلبي المفضل. في عينيه رأيت حزنا لامتناهيا، في عيني رأى نهرا من الدموع. أشفق علي وأشفقت عليه. تماهينا في الإشفاق حتى رأيت نفسي كلبا يرى نفسه إنسانا يرى نفسه كلبا يرى نفسه... وهكذا، دورة لامتناهية من الإشفاق والتعاطف والتآخي...
أرتقي الدرجات الرخامية الثلاث، أفتح بابا فخما من خشب الأرز، يستقبل قدمي بساط تركي ذو مربعات متباينة الألوان. أفكر وأنا أمشي على تلك الرقعة الشطرنجية بأن خطواتي المستقبلية يجب أن تكون مدروسة كنقلة لاعب محترف ماهر. أدخل غرفة نوم أبي حيث مددوا جثمانه. أشعر بأني أدخل أشد العوالم غموضا، حيث اللغز الذي لا حل له.
أرتقي الدرجات الرخامية الثلاث، أدفع الباب، أقصد غرفة نوم ابني حيث مددوا جثمانه. أشعر بغربتي عن نفسي وبرغبة في الذهاب إلى حيث ابني ذاهب.
جنب السرير، أقف عند رأسه. أراه مسجى على ظهره يغطيه إزار حتى العنق. ينام هادئا في شبه اطمئنان، وكأن هذا الموت هو الشيء الوحيد المعقول الذي اقترفه في حياته. أنحني، أهجس له: "جاء دوري لأطردك من الضيعة أيها اللعين". ألتفت نحو الأرض أرى بعضا من الكتب التي خلفتها بالضيعة منذ سنين. أنظر إلى يدي أراها تقبض على وثائق الإرث.
جنب السرير، أقف عند رأسه. أراه مسجى على ظهره يغطيه إزار حتى العنق. يبدو متشنجا، ربما لأن الموت باغته مبكرا. أقبل رأسه، أنظر إلى الأرض، أرى نسخا عديدة من أوراق أملاكي. أنظر إلى يدي أراها تقبض على رزنامة من كتبه.
أعادتني الكتب المرمية عند رأس والدي إلى صوابي. يتغلب سحرها على سحر وثائق الإرث. أرمي هذه الوثائق، وأرتمي لأحضن كتبي. بخرت الكتب فرحي بالميراث ودوار السفر والتعب.
جحظت عيناي كمن يخشى أن يعود إلى النوم بعد حلم مخيف، أحسست يقظة رهيبة، صفاء شاملا يزيل خوذة هلامية عن رأسي.