عند الغروب



عند الغروب،
حين فتح الباب، بدت له عينا كلبه حمراوين، تشعان مثل جمرتين متوهجتين. ولأنه لم يدرك أن قرص الشمس الأحمر الآخذ في الانحدار نحو الأفق الخلفي هو الذي سبب التهابهما فقد أدهشته مفاجأتان، عودة الكلب اللامتوقعة والشكل الجهنمي الذي استحال إليه. ظلت قبضة يده جامدة على مقبض الباب وعيناه مصوبتين، لا إلى كلبه جوبا، بل إلى وحش خرافي يشع بريق أحمر ناري من عينيه. سوء حظ آخر طعم كراهية الرجل لكلبه "جوبا".
    ظهيرة أمس.
بخر حدث لا متوقع حب الرجل لكلبه، ولم يعد بمقدور أي شيء إحياء تلك المحبة، لا بياض "جوبا" الناصع ولا أصالته النادرة، ولا ليالي القنص التي قضاياها معا.
في المساء الذي سبق هذا المساء،
انطلقت سيارة رباعية الدفع من ضيعة الرجل الذي اشتهر في القرية باعتزاله الناس، وبولعه اللامحدود - وربما اللامعقول - بالقنص، وبصحبته الدائمة لكلبه السلوقي الأبلقانطلقت السيارة تشق طريقا ملتويا متربا، وكل من رآها من أبناء القرية وهي تسير بذلك الاتجاه، ومن نافذتها الخلفية يطل رأس السلوقي، لا بد اعتقد أنها ذاهبة بعيدا في رحلة قنص جديدة، لكن، لا أحد ظن أن الوجهة التي تقصدها لم تكن قد حددت، بعد، في ذهن سائقها، فالرجل كان يفكر، فقط، في الابتعاد، في المسافة القادرة على تضليل حواس الكلب. وبعد حوالي خمسين كيلومترا عبرتها السيارة في طرق متربة، أقفلت عائدة ولأول مرة بدون السلوقي الأبلق.
    واليوم،
بينما كان مستغرقا في تأمل رأس خنزير بري محنطة، مثبتة على لوحة معلقة على جدار الغرفة، سمع صوت نحنحة، وصوت خدش مزعج ينبعث من أسفل الباب، وقبل أن يفتح الباب توقع أن يجد كلبا، أي كلب، لكنه لم يتوقع أبدا أن يكون كلبه "جوبا".. "جوبا" في اعتقاده، ابتلعته المسافات، لكن، حين فتح الباب، وجد "جوبا".. "جوبا" بلحمه ودمه وبياضه الناصع، لكن عينيه كانتا عيني حيوان آخر. وإذ رأى "جوبا" صاحبه، اقترب منه بمرح مجتازا الحد الفاصل بين نور الشمس وظلال المنزل، وفي الظل كان البريق المشع قد اختفى من عينيه، ومعه اختفى الكائن الخرافي المخيف، وحل محله "جوبا".. "جوبا" الوديع.
    فكر الرجل بأن الكلب لا بد قد عاد مقتفيا رائحة خطواته السابقة التي عبرت تلك الدروب، تلك الطرق التي اجتازاها معا راجلين خلال رحلات القنص، أيام كانا يتنقلان بين أشجار الغابات، يلاحقان معا رجلا ذا شارب كث، رجلا ظل يتحول من حجلة إلى بطة إلى أرنب إلى خنزير. يلاحقان معا ذلك المسخ الذي ظلت بندقية الصيد متأهبة دائما لمحقه بالطلقات، المسخ، الذي اصطاده مرارا، وحنطه مرارا، وظل كل ليلة يتأمل رأسه المقززة المعلقة على الجدار. وبينما كان يفكر هكذا تمنى لو وجد بدل "جوبا" الكلب الآخر، الكلب اللعين الذي جعله يكره كلبه. لو وجده، لأفرغ في جمجمته دون تردد إحدى الطلقات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق