المرآة، المشهد الثاني


    في صباح اليوم التالي،
حين التفت لم يجدها في مكانها هناك، والبارحة كانت هناك، كانت في الرف المقابل للمرآة المضاعفة للغرفة الضيقة. توقع أن يجدها لكنها لم تكن هناك. لم يجد تراقص ضوء الشمس على زجاجها الصقيل، لم يجد الجرذ الميت، لم يجد الجمجمة والعظمتين المتقاطعتين. وحين التفت تجاه المرآة لم ير وجهه. كان شاردا لأن القارورة التي لم يجدها كانت بالأمس هناك، بيده وضعها هناك. استبعد احتمال أن يكون أحد ما قد أخذها، فقد مضى على آخر زائر طرق بابه أكثر من سنة، لكن حتى البارحة كانت هناك.
تذكرها فانتفض، هي أيضا لم تأت منذ أكثر من سنة، ومذاك لم تزعجه بطلب أجرة الكراء. لم تأت منذ قالت له في حلم أول ليلة استطاع أن ينام فيها بعد ثلاث ليال من القلق والأرق: "تذكر، عبر زجاج المرآة المضاعف ستراني دائما هناك."
شَلَّ تذكرها قدرة ذهنه على التركيز، ورغبته في طرد شبحها المخيف من ذاكرته، أدار عينيه نحو اللوحة الطبيعية الوحيدة المثبتة بأعلى الجدار.
تسللت من النافذة ريح خفيفة إلى داخل الغرفة وحين لامست جسده الذابل انتعشت كامل حواسه وكأنما استيقظ للتو، فتذكر أنه ما زال حيا، وأن الموت الذي توقعه لنفسه لم يقع.
   طعمت انتشاءه أشعة الشمس المنبعثة من عمق اللون الأزرق للَّوحة الطبيعية الوحيدة المعلقة بأعلى الجدار، ومن جديد داهمت أحاسيسه يقظة شاملة فبدت له حقيقة ما وقع واضحة؛ أدرك أن حواسه قد استسلمت في خضم يأسها إلى لحظة وهم، إلى قارورة خيالية، قارورة تجرع منها سما وهميا خياليا... أدرك أيضا أن الموت الحقيقي هو ما ظل يتجرعه عبر السجائر والقهوة السوداء قبالة المرآة، آلاف المرات، آلاف المرات من الحسرة والندم. وبينما كان يفكر في كل ذلك اجتاحته حالة غريبة؛ أخذ يضحك ويضحك ثم تحول الضحك إلى بكاء والبكاء إلى ضحك هستيري... نهض وهو يضحك وغادر الغرفة وهو يضحك، ثم عاد وبيده فأس، وبجنون أخذ يحفر في الجدار المقابل للمرآة، يحفر وهو يضحك...