عند الغروب ، المشهد الثالث

ليلة أمس،
استلقى على ظهره يتأمل كعادته رأس الخنزير البري المعلقة على الجدار وذهنه مشوش، يتنقل مضطربا في عوالم عديدة، مازجا ما بين الماضي القريب والماضي البعيد. انزاحت عيناه قليلا عن رأس الخنزير، وأخذتا تتأملان إطار اللوحة الخشبي البني الذي يحيط بالرأس المحنطة. شده الوميض الذي يتلألأ على لون خشبها البني... لون الخشب البني يمتد مائلا إلى الأعلى على امتداد الدرابزين، تتأمله، بانبهار الطفولة، عينا صبي، تطقطق خطواته، التي تصعد الدرجات، على إيقاع خطوات أخرى أشد قوة، على إيقاع وقع تعزفه خطوات أقدام ضخمة مثل اليد التي تضم يد الطفل بإحكام. وبعد لفات عديدة، فاجأت عيني الطفل زخات مطرية كانت تتساقط على أرضية السطح، زخات علقت بذهن الصبي للأبد. سارت الأقدام الأربع باتجاه غرفة سطحية، وفي الداخل... ومن الداخل كان الطفل يسمع صوت الماء وهو ينساب رقراقا باتجاه بالوعة السطح... بالوعة خصة الحديقة تمتص ضغط المياه، وفي الأعلى تتناثر ذرات ماء المرشة.. تتناثر ثم تتساقط على زغب سلوقي أبيض احتمی بنداوتها من لفحات الجو القائظ.. من لفحات الجو القائظ احتمى الرجل بظلال الأشجار، ومن هناك أخذ يتأمل بياض كلبه المحبب... من هناك أخذ يتأمل بياضا مقززا لرجل ذي شارب كث، عار بالكامل، يمشي كحيوان على أربعة أطراف، يقترب بحذر من رجل آخر، هو أيضا عار بالكامل، هو أيضا يبادله الاقتراب... وكلما اقترب من السطح كلب أجرب يصعد الدرجات على رجلين مثل البشر، كلما ضمت ساقه اليمنى، مثل يد، ساق جرو صغير هو الآخر يصعد منتصبا كالبشر، بينما عيناه تتأملان باندهاش الجراء الصغيرة لون خشب الدرابزين البني... لون إطار اللوحة البني يتلألأ داخل عينيه.. الإطار البني يحيط برأس محنطة لرجل ذي شارب كث.. رأس الرجل ذي الشارب الكث تتلاشى.. ومن جديد تبرز، داخل ذهنه وداخل الإطار، رأس الخنزير المحنطة.