عند الغروب ، المشهد الرابع

فكر، وهو مستلق على ظهره يتأمل، كعادته، رأس الخنزير البري المحنطة المعلقة على الجدار، أن الرصاصة التي ظل يحلم بأن تستقر، ذات يوم، في جمجمة الرجل ذي الشارب الكث، استقرت، على نحو غير منتظر، في مؤخرة كلبه جوبا. حاول أن يطرد هذه الفكرة من ذهنه، وأن يتقبل ما وقع لكلبه على أنه أمر عادي يقع للحيوانات وللناس كذلك، لكنه عاد وفكر: "ليركب نصف رجال العالم مؤخرات النصف الآخر، ونصف كلاب الأرض النصف الآخر، أما جوبا فلا، جوبا ليس مجرد كلب عادي، جوبا جزء من نفسي، من شخصي، من حياتي.. جوبا هو الكائن الذي أختزل فيه جميع كلاب العالم، وجميع كائنات الأرض بما فيها البشر".


والآن،
لون مقبض البندقية البني يتلألأ في عينه التي تحاول موازنة فوهة ماسورة البندقية على جمجمة "جوبا". سبابته متأهبة للضغط على الزناد، وفي ذهنه وعلى جسد السلوقي تتراقص صورة الرجل ذي الشارب الكث الذي قتله مرارا في أجساد حيوانات عديدة.
ارتعاد اليد يعيق فوهة الماسورة على الاستقرار بين عيني "جوبا"، ولكي يثبتها اقترب أكثر.. تماسك أكثر.. ثم دفع بكامل البندقية مطبقا ماسورتها على الجمجمة... وقبل أن يضغط بسبابته على الزناد، قفز "جوبا" أمام عيني خياله وأخذ يسابق الريح.. يطارد الأرانب.. يلاحق الحمائم في السماء.. يركض بين سنابل القمح.. يجري، يسبح، يحاول تسلق أدراج السماء.
ظل "جوبا" هادئا لم يخف. وكما لم تزعجه قبل قليل برودة ماسورة البندقية، لم يطمئنه، الآن، دفء مقبضها الخشبي الذي يلامس بارتعاش خفيف وسريع، مرة بعد أخرى، أرنبة أنفه.
ظل هادئا، يحملق في عيني صاحبه اللتين كانتا تحملقان في شيء آخر، شيء بعيد... في مكان بعيد... في زمن بعيد...
أخذ "جوبا" يتحول أمام عينيه من كلب إلى أرنب، إلى حجلة، إلى كلب أجرب، إلى خنزير بري، إلى رجل ذي شارب كث، وإذ رأى الصورة البشعة لهذا الأخير ضغط بإبهامه على الزناد.
    لم ينتفض "جوبا" فقد كان متعودا على سماع صوت الرصاص، لكن أذهلته رؤية جسد صاحبه وهو يتهاوى على الأرض مضرجا بالدماء.