مرايا الأحلام، المشهد الخامس

وجاء النوم سريعا مرة أخرى، فانبعثت الأحلام مشعة، كأنغام صاخبة، تنبعث من قيثارة ذهبية...
هناك في أعماق بحر النوم رأى نفسه متشردا ينام تحت شجيرة دفلى مزهرة، رأى بقراته وأرضه وجاره وجار جاره، رأى نفسه يركض مرحا رفقة كلبه في حديقة، رأى كلبه يتبول على المتشرد، رأى نفسه يستيقظ في حلم المتشرد ويقصد الحمام لينتعش بمائه الدافئ، رأى نفسه رجلا في سيارة يدخن سيجارة شقراء، رأى نفسه كهلا في سيارة دلفينية يدخن سيجارا كوبيا، رأى الجبال والوديان والأنهار والسماء، رآني وأنا أكتب قصته، رآك وأنت تقرؤها، رآني وأنا أراك تقرؤها، رآك وأنت تراني أراك تقرؤها، رأى نفسه يراك تراني أراك تقرؤها، رأى نفسه يغمز فتاة بضوء سيارته، رأى نفسه وهو ينتزعها من تلك السيارة، رأى أشياء وأشياء... رأى أشياء يعجز عن وصفها القلم، وحين رأى يدا تندس تحت مخدة سريره وتستل حافظة نقوده انتفض.. وفتح عينيه فوجد نفسه مستلقيا على مقعد سيارته وقبل أن يسترجع اطمئنانه شعر بشيء ينسل خفيفا من جيب سترته.. تفقد حافظة النقود التي استلها من جورب المتشرد، وحين لم يجدها في مكانها انتفض.. فتح عينيه فوجد نفسه ممددا تحت شجيرة دفلی مزهرة.. ظل منبطحا يتأرجح بين النوم واليقظة.. تذكر جاره وجار جاره.. تذكر أرضه وبقراته فشعر بحنان دافق يجذبه إلى بقراته، وحين تذكر أنها الآن ملك لجاره أغمض عينيه وعاد إلى النوم من جديد، وفي منتصف النوم رأى جاره وجار جاره وبقراته وأرضه وحافظة نقوده وفتاته قد سرقوا منه.. أفزعته هذه الرؤى فانتفض... وفتح عينيه، وعندئذ أحس برطوبة في وجهه، رطوبة تنبعث منها رائحة تزكم الأنف...       
وجاء النوم سريعا، مرة أخرى، فانبعثت الأحلام الجميلة في مخيلته كألحان عذبة تنبعث من ناي حزين...