البيت المهجور، المشهد الثاني

    أرمي بالعقب، وأمضي مدحرجا حصى الأرض بحذائي، أحث الخطى فوق تربة تنبئني الآثار المنطبعة فوقها بأنها سبقتني إلى البيت، بأنها تنتظرني متخفية بين شجيرات الباحة. أفتح باب الحوش، أبعث نحو الأسفل بنظرة ملؤها العطف إلى نملة تنوء بحمل حبة قمح، وتسير بها مع قطار النمل نحو ثقب بالجدار، ونحو الأعلى أبعث بابتسامة رقيقة إلى أفراخ السنونو السوداء الصغيرة التي تطل من العش الطيني. أرفع غطاء الخابية الخشبي الخفيف المجفف بأشعة الشمس، ثم أنظر حولي باحثا عن والدي فينبئني الفراغ بغيابهما. يفرحني هذا الغياب... أدغدغ رقبة العجل الأسود الممدودة نحوي، ثم أتجه نحو الكلب المرقط العجوز وأحرره من السلسلة تفاديا لنباحه الفاضح، ثم أدخلها من الباب الخلفي وفي الداخل نُغير على جسدي بعضنا البعض، ولا تنتهي الغزوة إلا بصفعة وهمية أتلقاها من يدي الممررة على بطنها المنتفخ. أخرج سيجارتين من العلبة، أضع واحدة فوق المائدة وأشعل الأخرى ومعها أشعل نار الحيرة، نار التوجس، نار الندم... ومع الدخان الذي أمجه لا يتصاعد شيء، وكأن الحيرة/اليأس/الخوف... صخور ثقيلة تجثم داخل صدري، تخنقني، تعذبني، تنتقم مني. وكأن ما يجثم داخل صدري أثقل من أن يحمله الدخان. أمد يدي لأحمل السيجارة الأخرى... فأحمله خفيفا فوق كتفي، رجلاه ممدودتان حول عنقي، ويداه تداعبان شعري، وأنا أمضي لاعنا الجد واللعب، لاعنا السماء والأرض وما بينهما.